جاستن مادوغو: العقل المدبر النيجيري الذي يُثبت كفاءة المدربين المحليين

وقف رجل هادئ على الخط الجانبي يكتب معجزة كروية، في حرّ مدينة، الرباط، الشديد، وبين أهازيج الجماهير المغربية في مدرجات ملعب الرباط الأولمبي. جاستن مادوغو، المدرب الذكي دائم الابتسامة من ولاية أداماوا، قاد منتخب نيجيريا للسيدات إلى التتويج بلقب كأس أمم إفريقيا للسيدات، توتال إنيرجيز، للمرة العاشرة، بعد عودة مُذهلة بالفوز 3-2 على البلد المُضيف المغرب. وبهذا الإنجاز، لم يُقصِ فقط مدرب منتخب المغرب للسيدات، خورخي فيلدا، الإسباني الفائز بكأس العالم مع منتخب بلده، بل أعاد كذلك الثقة في قدرة المدربين النيجيريين والأفارقة المحليين.
المهمة X أنجزت: رسالة قارية
انتصار، مادوغو، في المغرب، لم يكن مجرد فوز كروي. على الرغم من مشاركته الخامسة كمدرب، إلا أنها كانت الأولى له كمدرب رئيسي بعد أدوار مساعدة في نسخ 2012، 2014، 2018، و2022. كان هذا الانتصار رمزيًا، استعادةً للفخر المفقود، وإعلانًا لإمكانات التدريب الإفريقي المحلي في وجه موجة المدربين الأجانب الرفيعي المستوى.
قال مادوغو في تصريح حصري لموقع CAFOnline.com:
"علينا أولاً أن نحمد الله على هذا الإنجاز العظيم. بالطبع، اللاعبات هنّ البطلات الحقيقيات. نحن نُمثل كل المدربين المحليين، ونجاحنا يعكس ما يمكن للمدرب النيجيري أن يحققه.
"من البداية، كنا نعلم ما هو على المحك. لم يكن الأمر يخص المنتخب فقط، بل كان علينا أن نضع معيارا جيدا للمدربين المحليين الذين فقدوا الأمل سابقا. عندما أُسندت إلينا هذه المهمة، علمنا أنها كبيرة، ولم نكن نُمثل أنفسنا فقط".
"أنا أؤمن بشدة أن هذا الإنجاز سيفتح الأبواب للمدربين النيجيريين على جميع المستويات. يتعلق الأمر بتغيير الصورة النمطية، وإثبات أننا نستطيع المنافسة والفوز في أعلى المستويات. لم نُخيب الآمال، وذلك ما يُسعدني أكثر من أي شيء."
رحلة بُنيت على الصبر والإيمان
لم يأتِ هذا اللقب صدفة. بل هو نتيجة عقود من العمل في القاعدة، والمثابرة في الظل، والإيمان العميق بالمسيرة من طرف المدرب البالغ من العمر 61 عامًا.
قال مادوغو: "بدأت من القاعدة، تدريب الأولاد، وتشجيع الفتيات اللواتي تم إبعادهن عن الملاعب. في أوائل التسعينات، ذهبنا إلى البرازيل لبطولات شبابية. هناك بدأ الحلم. بنينا فريق ماكوادا كوينز من الصفر. كنت أنظم بطولات محلية، وأشاهد تطور اللاعبات."
"لم يكن الأمر سهلاً. كانوا يضحكون عليّ. كنت موظفًا حكوميًا، ومع ذلك كنت أدرب فرقًا للرجال والنساء. كنت أدمج العمل المكتبي مع التدريب. لكنني كنت أؤمن بشيء أكبر. أعطاني الله موهبة قراءة وتحليل المباريات حتى قبل أن أفهم معناها."
"الآن، العديد من الفتيات اللواتي دربتهن في أداماوا يلعبن للمنتخب، أوردغا، سارة نوديم، لوفث أييلا، لولا فيليب، كلهن تخرجن من نظامنا. الحلم كان دائمًا حيًا، حتى عندما لم يؤمن به أحد."
التكتيك، التحول، والثقة: مخطط اللقب القاري
كانت قدرة، مادوغو، على قيادة فريق في طور الانتقال، بوجود 11 لاعبة لأول مرة، درسًا في إدارة اللاعبين، والمرونة التكتيكية، وبناء الثقة.
"كان لدينا وقت قصير جدًا مع المنتخب. استخدمنا فقط تواريخ الفيفا. لذا، معظم العمل الشاق كان خارج الملعب، من خلال الجلسات الفردية، والحلقات الجماعية، والمناقشات التكتيكية"، شرح مادوغو. "كنا نحاول تبسيط كل شيء. قبل التدريب، نناقش النظريات، وخلاله ننفذها عمليًا."
"درسنا المغرب بعناية. استخدموا تشكيلات مختلفة طوال البطولة. معرفتي بتحليل المباريات ساعدتني، لقد تلقيت تدريبًا في هذا المجال. النهائي تطلب قوة ذهنية وثقة في قدرة اللاعبات على التكيف."
"أجرينا تغييرات في اللحظات الحاسمة. شراكة، إستير أوكورونكو وتشينويندو إهزوا، كانت نتيجة تجارب. استخدمنا مرحلة المجموعات لاكتشاف التوازن، وبحلول الأدوار الإقصائية أصبح لدينا استقرار. وكان ذلك مخططًا له."
فازعلى المغرب وتفوق على بطل العالم
كانت مواجهة خورخي فيلدا، المدرب المتوج بكأس العالم مع إسبانيا، تحديًا نفسيًا وتكتيكيًا، لكن المدرب، مادوغو، لم يتردد.
"هو مدرب رفيع المستوى. أن نهزمه هنا؟ هذا إنجاز يُحسب لنا"، قال مادوغو بابتسامة. "لكن لم يكن الأمر متعلقًا به. ركزنا على اللاعبات. كان لدى المغرب الجمهور والدافع. أن نتأخر 2-0 في الشوط الأول؟ كان ذلك أكبر اختبار."
"لكننا آمنا بأنفسنا. علمنا أننا لا نُنفذ الأمور بالشكل الصحيح وكان علينا تغيير الخطط، والانتقال للخطة ب. ونجحنا. القوة الذهنية للاعبات أنقذتنا."
"كنا دقيقين جدا. شاهدنا كل مباريات المغرب. حددنا نقاط ضعفهم ونقاط قوتهم لنُحيدها. هذا هو جوهر التدريب، الفروقات الدقيقة."
قيادة تتجاوز الخطط
يتجاوز نهج، مادوغو، في التدريب الخطط الفنية. للعديد من لاعباته، هو ليس مجرد مدرب، بل أب ومرشد ومصدر ثقة.
"أنت لا تُدرب لاعبات فقط. أنت تُشكل حياتهن. هؤلاء الفتيات يحملن أحلامًا، وتحديات، ومشاعر. نحن نؤدي دور الوالدين كذلك"، قال. "الانضباط كان غير قابل للتفاوض، لكننا خلقنا بيئة يشعرن فيها بالثقة والحرية للنمو."
"بعض اللاعبات كنّ معي منذ منتخبي تحت17 وتحت 20 سنة، بنينا علاقة قائمة على الرعاية والانضباط والإرشاد. يطلبن النصيحة حتى خارج كرة القدم، إنها علاقة شخصية. وهذا ظهر في أرض الملعب."
"عندما تُقنع اللاعبات برؤيتك، تحدث المعجزة. وهذا ما رأيناه في الرباط."
أصوات الإشادة: تأثير مادوغو
لم يمر تأثيره من دون أن يُلاحظ. من المدربين السابقين إلى المسؤولين، هناك إجماع على أن مادوغو يُجسد نهضة التدريب المحلي.
قال المدرب السابق لمنتخب نيجيريا للشابات، كريستوفر دانجما، لموقع CAFOnline.com:
"مادوغو مركز، منظم، وذو رؤية. هو ما يجب أن يكون عليه المدرب الإفريقي، قوي تكتيكيًا، صلب نفسيًا، ورؤيوي."
أضاف، منصور عبد الله، الأمين العام المساعد لرابطة مدربي كرة القدم النيجيرية:
"فوزه يعني كل شيء للمدربين المحليين. كان جزءًا من النظام منذ 2008. هذا وقتنا."
حتى المدرب السابق للمنتخب النيجيري، توماس دينيربي، الذي عمل مع مادوغو في كأس أمم إفريقيا للسيدات، 2018، قال لموقع CAFOnline.com:
"إنه رجل جيد وذكي. قضيت وقتًا رائعًا معه. لم أتفاجأ أبدًا. جعل اللاعبات يؤمنّ. وهذا ما يفعله المدرب الجيد."
التخطيط للمستقبل: نيجيريا 2.0
ينظر، مادوغو، بالفعل إلى الأمام، ملتزم باكتشاف ودمج المواهب الجديدة في بنية المنتخب الوطني.
"هدفنا طويل المدى هو تقليص الفجوة مع كبار العالم"، قال. "نحتاج إلى بنية جيدة، مرافق أفضل، وتوسيع عمليات الاستكشاف. يجب أن نكون قادرين على تشكيل منتخبات أ، ب، وج، كما تفعل القوى الكبرى."
"نريد مزيدًا من فرص التطوير لمدربينا المحليين. ليذهبوا للتدريب في الخارج ويتعرفوا على ثقافات كروية مختلفة. هكذا نتطور."
"لدينا مباراة في أكتوبر. وآمل أن نبدأ معسكرًا قبلها لاختبار لاعبات جدد والاستعداد للنسخة القادمة من كأس أمم إفريقيا للسيدات. الانتقال مستمر."
الكلمة الأخيرة: ليست وظيفة بل رسالة
لا ينشغل، مادوغو، بالعقود أو الألقاب. بالنسبة له، المهمة إلهية، والرسالة مستمرة، سواءً حصل على التقدير الرسمي أم لا.
قال بتواضع:
"المستقبل؟ هذا بيد الاتحاد النيجيري لكرة القدم. أنا فقط أركز على تقديم الأفضل أينما طُلب مني. ليست مسألة حياة أو موت."
"نيجيريا لنا جميعًا. إذا كانت هناك أفكار لتحسين الفريق، فلنستمع. دعونا نعمل معًا."
"الله أعطاني هذه الموهبة. وسمحت له بأن يقودني. من المعكسر لتدريب الأولاد، إلى رفع أكبر لقب في إفريقيا، هذه رحلة سماوية."
اتخذ الاتحاد النيجيري لكرة القدم، خطوة جريئة بتعيين مادوغو كمدرب مؤقت لـلمنتخب النيجيري للسيدات، في عهد الرئيس إبراهيم غوساو.
شرح، غوساو، في حديث خاص مع CAFOnline.com، دوافع وأثر هذا التعيين:
"تأثيره واضح جدًا، لأنك تراه في كل مباراة خضناها. أهم شيء أنه يعرف المنتخب جيدًا، لأنه كان معهم لفترة طويلة."
"علينا أن نثق بمدربينا المحليين، خصوصًا إذا امتلكوا المؤهلات والخبرة. مادوغو يمتلك المؤهل والخبرة، وكان مع المنتخب لأكثر من ثلاث سنوات. لذلك شعرنا أننا نستطيع منحه الثقة."
"سندعمه بكل طريقة ممكنة، فنيًا وغير ذلك، ليواجه التحديات المقبلة."
يعتبر إنجاز، مادوغو، الخارق في كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024 لحظة فارقة في كرة القدم النسائية النيجيرية والإفريقية. فبعيدًا عن مجرد التتويج، فقد رفع صورة ومكانة التدريب المحلي، وأثبت أن التميز لا يحمل جواز سفر.